د. رغدة ميشيل عرنكي
دكتوراة / علم النفس التربوي
مَن منا لم ُيعانِ مشكلة أو أكثر في حياته،وهذا أمُرُعادي في مجتمع زادت أعباؤه ومتطلباته. لكن المشكلة الحقيقية، والتي تحتاج منا إلى البحث والدراسة؛ هي أن ندرك ما هي مشكلتنا لنتمكن من تحديدها بالضبط، وبالتالي التعامل معها
تبدأ هذه المشكلة عادة عندما يكمل الطالب أو الطالبة مرحلة الدراسة الثانوية ليقف بعدها عند مفترق طرق، غير واضح المعالم؛ فتارة يريد هذا التخصص وتارة يريد ذاك، هذه الجامعة أو تلك، ثم يعود لوالديه ليحددا له الأنسب لدراسته بغض النظر عن رغبته
لوعدنا بهؤلاء الطلبة إلى مرحلة الطفولة المبكرة سنجد الفرصة لم تسنح لأغلبهم في تحمل مسؤولية إدارة شؤونهم الخاصة بحجة حرص الأهل على إدارة ورعاية شؤون أطفالهم على افتراض أنهم لازالوا صغاراً، وهذ1 يتطلب منهم أعباء لا يستطيعون تحملها الآن، فلا زالوا غير قادرين على اختيار الألوان التي يفضلونها لملابسهم، أو الألعاب التي تناسب اهتماماتهم وميولهم. وإذا تحدثوا فلا وزن لكلامهم أو قيمة، فيتم منعهم في أغلب الأحيان من التعبير عن أنفسهم، بحجة ضيق وقت الأهل، أو الإزعاج الذي يمكن ان يسببه حديث الأطفال، مما يولّد لدى الأطفال الإحساس بالعجز وبالتالي الكفّ عن أداء أية مهمة لاحقاً مهما كانت بسيطة
وعندما نتحدث عن المسؤوليات التي يجب أن يتحملها الأطفال في سن مبكرة، لا نعني تلك المسؤوليات المطلوب من الكبار القيام بها، إنما يجب القيام بالمهمات التي تتناسب وإمكاناتهم العمرية والعقلية كأن نستمع لهم، ونقدّر إنجازاتهم مهما كانت صغيرة، ونشجعهم على تجديد المحاولة لو فشلوا في المرة الأولى، والتباحث معهم لتحديد أسباب الفشل، ووضع بدائل متنوعة لحل المشكلة، وعدم التقيد بحل واحد أو بديل واحد للحل
تمتاز مرحلة الطفولة بسعة الخيال لدى الأطفال، يقومون فيها بالتفكير والتأمل، ويعبرون فيها عن أفكارهم بطريقتهم الخاصة؛ فيتحدثون إلى أنفسهم بحوارات مطوّلة يجدون فيها المتعة والتسلية، لكن للأسف نجد الأهل يسخِرون من طريقة تفكيرهم، والتي هي في الواقع تعمل على تطوير تفكيرهم الإبداعي، ونموهم العقلي- لو تُركِ فيها المجال لخيالهم أن ينطلق بحرية دون قيود، هذه القيود التي تجعل من الأطفال صوراً جامدة لآبائهم أو أمهاتهم، ليس لهم هوية أو شخصية يعبرون فيها عن أنفسهم
وإذا نظرنا إلى مدارسنا من ناحية أخرى سنجد أنها تستخدم الأساليب التعليمية المتخمة التي ترتكز على الحفظ والتلقين، وتبتعد عن الأساليب التي تشجع على البحث والتفكير، وإذا حاول الطالب مناقشة الأستاذ في بعض القضايا سنجد هذا الأستاذ يقوم بقمع عمليات التفكير لدى الطالب ليتمكن من إنهاء المقرر في الموعد المحدد، وبنفس الوقت يحافظ على الهدوء داخل غرفة الصف، وتكون النتيجة إنتاج جيل من الخريجين ذوي القدرة العالية على الحفظ لا التفكير.
إن ما يحدث في الواقع مع استخدام مثل هذه الأساليب التعليمية هو أننا لم نضع الطلبة أمام مشكلات يمكنهم حلها؛ فلم يمروا بخبرة حل المشكلات، وبالتالي لن يتمكنوا من حل المشكلات المشابهة فيما بعد.
وتقوم الطرق الحديثة في التعليم على تطوير التفكير من خلال وضع مشكلات دراسية أمام الطلبة، وتدريبهم للتعامل معها، ويدعى هذا النوع من التفكير "التعلم المستند إلى المشكلة
" Problem Based Learning (PBL)
ويمتاز هذا النوع من التعلم بعدد من المميزات، هي
يعتمد المشكلات في تحديد المنهاج، حيث يتطرق المنهاج لعدد من المشكلات، ليتمكن الطلبة من التعامل معها وحلها، وفي هذا المنهاج لا يتم اختبار مهارات إنما تطوير مهارات
تُبنى المشكلات بشكل ضعيف لتتاح الفرصة أمام الطلبة للبحث عن بدائل وليس بديل واحد للحل، وعندها الحل يتغير بحسب المعطيات المتوافرة
الطلبة يجمعون المعلومات من مصادر المعرفة المتنوعة، ويحلون المشكلة، أما المعلمون فموجهون فقط
وقد بدأ استخدام هذا الأسلوب في التعلم في المدارس الطبية، حيث يتعرض الطلبة لمشكلات في الميدان الحقيقي الذي يتعاملون معه، والمطلوب منهم التعامل مع هذه القضايا ، وإيجاد الحلول الناجعة لها، ومن ثم استخدامها في المناهج المختلفة لإكساب الطلبة المهارة والمعرفة الضرورية في حل المشكلات المتعلقة بالمنهاج، وتوظيف هذه المعلومات في التعامل مع مشكلاتهم الخاصة. وفي هذه الطريقة يتم تقسيم الصف إلى مجموعات؛ تتكون كل مجموعة من (5-7) طلاب يناقشون المشكلة فيما بينهم قبل الوصول إلى الحل المطلوب
ويقوم التعلم المستند إلى حلَِ المشكلة على عدة مراحل، هي
تحديد المشكلة وتعريفها، وتكون المشكلة موجودة في المنهاج حيث يتم مناقشتها مع الطلبة، وكأنهم أمام مشكلة حقيقية بحاجة للحل؛ فيسأل الطلبة أنفسهم مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالمادة، مثل
ما الذي نعرفه حول هذه المشكلة (المادة التعليمية
ما الذي نحتاج لمعرفته للوصول لحل هذه المشكلة
ما المصادر التي سنستخدمها للوصول إلى حل مقترح أو فرضية للحل
من أين سنحصل على مصادر المعلومات
هل هذه المعلومات ستكون مفيدة في الحل
ويمكن لكل طالب في المجموعة أن يسأل نفسه حول ما يمكن تقديمه لمجموعته، وكيف ستستفيد المجموعة من المعلومات المقدمة لحل هذه المشكلة
الوصول إلى مصادر المعرفة، وتقييمها واستخدامها، وقد تكون هذه المصادر الكترونية أو مطبوعة أو مصادر بشرية، وبعد الوصول لتلك المصادر يتم تقييمها لتحديد مدى موثوقيتها، وعند استخدام المعلومات يجب تحديد قيمة هذه المصادر
تحليل المعلومات، قد تحتاج بعض المعلومات إلى إعادة صياغة، وقد يتم وضع عدة حلول إفتراضية
تنفيذ الحل، وفي كل مرحلة يتم إعادة النظر في المعلومات المتوافرة، وبناءً عليه يتم تنظيمها وتعديلها
التأمل، بعد حل المشكلة يقوم الطلبة بالتأمل بما تم إنجازه من خلال عدد من الأسئلة، مثل
هل سأُنجز ما قمت به بشكل مختلف في المرة القادمة
هل يمكن أن تظهر حلول جديدة
هل توجد طرق أخرى يمكن استخدامها تجعل الحل أسهل في المرة القادمة
هل يمكن توظيف ما تم الوصول إلية في حل مشكلات أخرى مشابهة
مما سبق يتبين أهمية دور كل من الأسرة والمدرسة في تطوير قدرات وإمكانات الطلبة لإنتاج أشخاص مفكرين قادرين على القيام بواجباتهم، وتحمل مسؤولياتهم لتطوير مجتمع قادر على مواكبة كل جديد في عالم المعرفة، لأن الأساليب التقليدية التي تعتمد على مصدر وحيد للمعرفة يقدمه المعلم، والطالب متلقياً لهذه المعرفة دون مشاركة في العملية التعليمية لا تستطيع أن تواكب التطورات المتسارعة في عالم المعرفة الحديث
هناك تعليق واحد:
I like it !!
SEO Services India
إرسال تعليق